سورة الأنبياء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} أي أخوفكم بالقرآن، {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ} قرأ ابن عامر بالتاء وضمها وكسر الميم، {الصم} نصب، جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الآخرون بالياء وفتحها وفتح الميم، {الصم} رفع، {إِذَا مَا يُنْذَرُونَ} يخوفون. {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ} أصابتهم {نَفْحَةٌ} قال ابن عباس رضي الله عنهما طرف. وقيل: قليل. قال ابن جريج: نصيب، من قولهم نفح فلان لفلان من ماله أي أعطاه حظا منه. وقيل: ضربة من قولهم نفحت الدابة برجلها إذا ضربت، {مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أي بإهلاكنا إنا كنا مشركين، دعوا على أنفسهم بالويل بعدما أقروا بالشرك. {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} أي ذوات القسط، والقسط: العدل، {لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} لا ينقص من ثواب حسناته ولا يزاد على سيئاته، وفي الأخبار: إن الميزان له لسان وكفتان.
روى أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب، فغشي عليه، ثم أفاق فقال: يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ فقال: يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأتها بتمرة.
{وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} قرأ أهل المدينة {مِثْقَالَ} برفع اللام هاهنا وفي سورة لقمان، أي وإن وقع مثقال حبة، ونصبها الآخرون على معنى: وإن كان ذلك الشيء مثقال حبة أي زنة حبة من خردل، {أَتَيْنَا بِهَا} أحضرناها لنجازي بها.
{وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} قال السدي: محصين، والحسب معناه: العد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: عالمين حافظين، لأن من حسب شيئا علمه وحفظه.


قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} يعني الكتاب المفرق بين الحق والباطل، وهو التوراة. وقال ابن زيد: الفرقان النصر على الأعداء، كما قال الله تعالى: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} [الأنفال: 41]، يعني يوم بدر، لأنه قال: {وَضِيَاءً} أدخل الواو فيه أي آتينا موسى النصر والضياء وهو التوراة.
ومن قال: المراد بالفرقان التوراة، قال: الواو في قوله: {وَضِيَاءً} زائدة مقحمة، معناه: آتيناه التوراة ضياء، وقيل: هو صفة أخرى للتوراة، {وَذِكْرًا} تذكيرا، {لِلْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} أي يخافونه ولم يروه، {وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} خائفون. {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزلْنَاهُ} يعني القرآن وهو ذكر لمن تذكر به، مبارك يتبرك به ويطلب منه الخير، {أَفَأَنْتُم} يا أهل مكة، {لَهُ مُنْكِرُونَ} جاحدون وهذا استفهام توبيخ وتعبير. قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} قال القرطبي: أي صلاحه، {مِنْ قَبْلُ} أي من قبل موسى وهارون، وقال المفسرون: رشده، أي هداه من قبل أي من قبل البلوغ، وهو حين خرج من السرب وهو صغير، يريد هديناه صغيرا كما قال تعالى ليحيى عليه السلام: {وآتيناه الحكم صبيا} [مريم: 12]، {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أنه أهل للهداية والنبوة.


{إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ} أي الصور، يعني الأصنام {الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي على عبادتها مقيمون. {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} فاقتدينا بهم. {قَالَ} إبراهيم، {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} خطأ بين بعبادتكم إياها. {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ} يعنون أجاد أنت فيما تقول أم انت من اللاعبين؟. {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} خلقهن، {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي على أنه الإله الذي لا يستحق العبادة غيره. وقيل: من الشاهدين على أنه خالق السموات والأرض. {وَتَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} لأمكرن بها، {بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} أي بعد أن تدبروا منطلقين إلى عيدكم.
قال مجاهد وقتادة: إنما قال إبراهيم هذا سرا من قومه ولم يسمع ذلك إلا رجل واحد فأفشاه عليه، وقال: إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.
قال السدي: كان لهم في كل سنة مجمع وعيد وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها، ثم عادوا إلى منازلهم، فلما كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه، وقال إني سقيم، يقول أشتكي رجلي فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس، {وَتَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة وهن في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه، والأصنام بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة، وقالوا: إذا رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا أكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام، قال لهم: على طريق الاستهزاء ألا تأكلون؟، فلما لم تجبه قال: ما لكم لا تنطقون؟. فراغ عليهم ضربا باليمين، وجعل يكسرهن في يده حتى إذا لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه ثم خرج فذلك قوله عز وجل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8